خواطر من وحي الثورات العربية…
بقلم: د.فيصل القاسم
يا الله ما أروعك أيها الموبايل ذو الكاميرا! يا الله ما أروع وسائل الإعلام الجديدة كالفيس بوك، وتويتر، ويوتيوب! لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه أيتها السيوف اللامعة الرائعة المسلطة على رقاب الطغاة والمستبدين. لولاك لما سطع نجم الثورات. سيري والله يرعاك!
• السلاح الوحيد الذي يرفعه السواد الأعظم من الثوار العرب في وجه الطغاة في الدول العربيةالثائرة هو جهاز الموبايل وكاميرته فقط.• لا يخاف من الضوء إلا الحرامي. وبعض الأنظمة كالحرامي تخاف من الضوء الإعلامي، لأنه يكشف حقيقتها الوحشية والفاشية الرهيبة.• كم أشعر برغبة شديدة للضحك عندما أسمع فضائيات حكومية عربية لم تعرف يوما سوى الكذب الثقيل والدجل والفبركة والتلفيق وهي تكيل الشتائم للإعلام العربي والعالمي الحر، وتتهمه بعدم النزاهة. رمتني بدائها وانسلت. طبيب يداوي الناس وهو عليل.• كل شعوب العالم المتقدم تدفع ضرائب لكي تحصل على وسائل إعلام تنوّرها، وتخدمها، وتعبر عنها. أما في عالمنا العربي التعيس فوسائل الإعلام تستنزف الكثير من أموال الشعوب لكي تكذب عليها، وترهبها، وتهددها، وتركّعها، وتخوّن كل من لا يسير على خطى الطغاة. والمضحك أنهم يسمونه إعلام الشعب، بينما هو لا يسمح لأحد غير السلطات القذرة للتعبير عن نفسها فيه.• اعتادت وسائل الإعلام العربية الحكومية أن تكذب على الشعوب حتى في سرد درجات الحرارة، فكيف للشعوب أن تصدقها الآن في وقت تخوض الأنظمة الحاكمة حروباً شعواء ضد شعوبها قتلاً وقمعاً وبطشاً وسحقاً وسحلاً واعتقالاً وسجناً وتعذيباً وقنصاً؟• يقولون عادة لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى. وفيما يخص الفضائيات الحكومية العربية، من الأفضل أن لا تصدق شيئاً من كل ما تسمع ومن كل ما ترى. وإذا صدقت شيئاً فإنك مغفل.• قبل أن تصدّق أي شيء يذيعه الإعلام الحكومي العربي، عليك أن تضع كلامه في غربال فتحاته واسعة جداً، وسترى أن كل الكلام سقط من فتحات الغربال.• من الخطأ الفادح تسمية الإعلام الحكومي العربي والإعلام الخاص الدائر في فلكه، من الخطأ تسميته “إعلام”، هو في الواقع “إعتام” وليس إعلاماً.• أكثر ما يُضحك أن بعض الحكام وأبواقهم الإعلامية وأنظمتهم يصورون أنفسهم على أنهم فقط الوطنيون، وكل من يخرج على طاعتهم فهو خائن وغير وطني، مع العلم أن الوطنية منهم براء، وأن الشعوب الثائرة أكثر منهم وطنية بألف مرة على أقل تقدير. يا الله كم تاجروا بالوطنية، وحلبوها حتى آخر قطرة، وما زالوا بصفاقة عز نظيرها!• إذا كنت مع النظام فأنت، في نظر الحاكم وأجهزته، وطني حتى النخاع، وإذا كنت مع الشعوب الثائرة فأنت خائن ابن خائن.• لو أحصيت عدد الذين يجعرون على شاشات التلفزيون دفاعا عن الأنظمة العربية المتداعية تحت تأثير الثورات المباركة لوجدت أن عددهم قليل جداً. وهم بالتأكيد مرتزقة ومدفوعو الأجر، أي أنهم لا يدافعون عن الأنظمة بقدر ما يدافعون عن مصالحهم. وليس عندي شك بأنهم سيكسرون الجرّة وراء الحكام لو توقفوا عن دفع أجورهم. بعبارة أخرى، لا يدافع عن الطغاة العرب غير بلطجيتهم ومرتزقتهم أو أقربائهم في المصلحة أو الدم أو النسب والحسب أو العشيرة أو الطائفة أو القبيلة.• لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع أبواق الأنظمة العربية وهي تتبجح بأن الأنظمة انتصرت على المخربين. فعلاً شيء يُضحك، ويبكي في آن معاً، يُضحك لأن أبواق الأنظمة كذابون ومغفلون، ويلعبون حرباً نفسية سخيفة ومكشوفة مع الشعوب، ويُبكي لأنهم يعتبرون قتلهم لشعوبهم والتنكيل بها نصراً للحكام، وأن القمع والبطش بالشعوب سيعود إلى سابق عهده.• سمعت من مسؤول عربي كبير ومطلّع شخصياً أن أكثر ما أخاف الحكام العرب أن الشعوب انتفضت ضدهم سلمياً، مما وضعهم في مأزق كبير. لكن بعضهم بالتعاون مع طغمته الحاكمة طبعاً وجدوا الحل فوراً. فقرروا تصوير تلك الثورات في وسائل إعلامهم على أنها مسلحة، وراحوا يفبركون القصص والأحداث السخيفة كي يجدوا مبرراً لقمع الثورات والقضاء عليها. وشهد شاهد من أهلهم.• حتى الله عز وجل يخيّر الإنسان بين الإيمان والكفر: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. أما بعض الزعماء العرب وكلاب صيدهم فإما أن تحبهم غصباً عن الذين خلفوك، أو تصبح من المغضوب عليهم إلى يوم الدين.• كيف تأمن الشعوب جانب الأنظمة التي تعدك بالتغيير، ثم تقتل كل من يصرخ في وجهها بالرصاص الحي؟ كيف تصدّق الشعوب وعود الإصلاح إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعبر عن رأي بسيط فيما يحدث؟ شاهدنا ما حصل لبعض الشخصيات لمجرد أنها تضامنت عاطفياً مع ضحايا الثورات، فشيطنوها ولعنوا “سنسفيل أبوها” في أبواقهم الإعلامية الساقطة. لم يتغير شيء في عقلية الحكام تحت ضغط الثورات، فما بالك إذا توقفت الثورات، فإنهم سيسحلون الجميع انتقاما وثأراً.• من المعروف أن أي شخص يشارك في مظاهرة ضد أي نظام عربي في الخارج يعلم أنه لن يُسمح له بالعودة إلى وطنه. وإذا عاد، فإنه سيقضي ثلاثة أرباع حياته متنقلاً بين فروع الأمن والشرطة. والسؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومات العربية بعشرات الألوف الذين خرجوا في مظاهرات ضد هذا النظام أو ذاك في هذه العاصمة أو تلك؟ معلوم أن مجرد إطلاق تصريح مؤيد للثورات يجعل صاحبه من المغضوب عليهم إلى يوم الدين. ويتحدثون عن الإصلاح. عيش يا كديش ليطلع الحشيش.• حتى لو كان الشيطان الرجيم يشارك في الثورات العربية من أجل مصالحه الشيطانية الخاصة، فهذا لا يقلل من قيمة الثورات كثيراً، المهم أن السواد الأعظم من الشعوب مع التغيير. ولا يضير الثورات اختراقها من بعض السفلة، هذا إذا تأكد الاختراق فعلاً، ولم يكن مجرد ذريعة حكومية مفضوحة للقضاء على الثورات بحجة أن فيها مخربين ومتطرفين.• الشعوب في الدول التي تحترم نفسها تدفع ضرائب كبيرة من أجل تمويل قطاعي الأمن والجيش كي تحصل على الأمن والأمان الداخلي، وكي تحمي بلادها من المخاطر الخارجية. أما عندنا نحن العرب، فتدفع الشعوب من دمها لتمويل الشرطة والجيش كي يقوما في النهاية بقتل الناس وترويعهم وإرهابهم وسحلهم في الشوارع. لقد غدت جيوشنا رمزا للبطش في الداخل، ورمزا للتخاذل مع الخارج.• في الدول التي تحترم نفسها عندما يشعر المسؤول شعوراً بسيطا للغاية بأنه أصبح غير مرغوب فيه، يقدم استقالته فوراً من منصبه، ويخرج باحترام، أما في الدول العربية فتخرج الملايين إلى الشوارع مطالبة بتنحي هذا الزعيم أو ذاك، ناهيك عن أنها تصفه بأقذع الأوصاف، وتمسح به الأرض، ثم يقرر الزعيم المنتهكة كرامته أن يبقى في الحكم حتى لو أباد الألوف من المتظاهرين. فعلا عجب عُجاب. كأن الزعيم العربي يقول: إما أحكمكم وإما أقتلكم!• ألف رحمة من الله على كل عربي ثائر قضى في الثورات الحالية. والى جنان الخلد أيها الثوار الشرفاء. وألف لعنة على قتلتكم الذين لم يكتفوا بقتلكم بل راحوا يشوّهون سمعتكم بفبركات ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يصدقها من في رأسه ذرة عقل.• كل من يعتقد انه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماماً، أو متآمر مع الأعداء أنفسهم. فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار. ولنتذكر قصة العبد عنترة الذي ظل خانعاً حتى تحرر من عبوديته، فأصبح مضرباً للأمثال في البطولة والشجاعة. حرروا شعوبكم أولا كي يحرروا الأراضي العربية المحتلة!• وأخيراً: الشعوب العربية أدرى بشعابها وحكامها، فلا أهلاً ولا سهلاً بأي تدخل خارجي تحت أي ظرف كان.